الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من مجموعة مشاعر سلبية ونفسية، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أبلغ من العمر 26 عامًا، وبدأت مشكلتي منذ سنتين ونصف تقريبًا، أعاني من أعراض مختلطة يصعب عليّ تحديد تشخيصها، بدأت الأعراض بعد الزواج بسنة تقريبًا، حيث انخفض مستواي الدراسي وقل تركيزي، وسيطر عليّ الكسل والنوم، وزاد سهري، لم أعد أحضر الدروس، وأهملت كل شيء، وساءت حالتي الصحية، حيث فقدت وزني فجأة، وأصبحت أتعرق بشدة، وأعاني من رعشة في الأطراف، استمر الحال حتى تخرجت، وكنت أشكو لزميل لي مما أعانيه.

بعد التخرج، عملت في منطقتي شهرًا، ثم عدت إلى مكان وجود زوجتي، وكنت أمر بظروف مادية صعبة، التقيت بأحد الزملاء، وشكوت له ما أعانيه من اكتئاب، وكنت أقرأ عن العين والحسد، وشكوت له أن زميلًا لي يحسدني، وأنني فقدت الثقة بالزميل السابق.

بعد يومين من إخباري الزميل الآخر، بدأ البعض يخبرني عن سبب نزول وزني، وأحسست بأنه قد أخبرهم، وأنهم اتفقوا على حرب نفسية ضدي، وفقدت الثقة بالزميل الآخر، لأنه أفشى سري.

مر شهر ووجدت عملًا آخر، وعملت فيه وشعرت بالسعادة، وزاد وزني، ولكن بعد ثلاثة أشهر من العمل، بدأت عندي حالة من الشكوك، والخوف غير المبرر، من الموت على يد أعداء، أصبحت أحس أنني مراقب وأن الجميع يراقبني، وكان البعض يتهمني بالعمالة لأطراف معينة، وزاد الخوف أكثر فأكثر، رغم عدم صحة أقوالهم.

أصبحت أكره الجميع، وأحب العزلة، وأخاف التحدث مع أي شخص، وأشعر أن هاتفي مراقب، وكل ما أكتبه مراقب، فقدت المتعة بأشياء كنت أستمتع بها، وأصبحت أحب السكوت، وأخاف على سمعتي، وأشعر أن الناس يتحدثون عني ويتهمونني بالمرض النفسي، وأعاني صعوبة في اتخاذ القرارات، وحساسية مفرطة.

أعاني من كثرة التفكير، وأشعر أن كل كلام موجه لي، حتى تحديثات الحالة على واتساب، أشعر أني مراقب وأن الجميع ضدي.

أعاني من كثرة السرحان، وأصبح لساني ثقيلاً، ولم أعد أحب الضحك، وملامح وجهي عبوسة، تعقدت من الأماكن ولم أجد من يفهمني، وحالتي النفسية تزداد سوءًا، أصبحت مقاطعًا للصلاة، وأشعر بأن الناس يحسدونني، أو أنني أصبت بعين، وفقدت الثقة بالجميع، أحب الجلوس منفردًا منعزلاً، ولا أتحدث كثيرًا، وكرهت العيش، وأخاف على مستقبلي بسبب تصرفاتي، أرى نفسي طبيعيًا ولكني أفكر كثيرًا، وأي أحداث تحصل لي أشعر أنها متوافقة مع أفكاري، وأشك أن هناك من أخبرهم بما أفكر فيه.

أشعر أن الناس يعرفون ما أقوم به، وكثرت الشكوك عندي، وأعاني من صعوبة اتخاذ القرارات، وصعوبة معرفة عدوي من صديقي، تعسرت ظروفي المعيشية، وزادت مشكلتي أكثر.

أفكر في أموري اليومية، وأعيد التفكير فيها باستمرار، وأعاني من شرود ذهني، وعجز جنسي لم يكن موجودًا في السابق، لست قنوعًا بما لدي، وأشعر أني أقل قيمة من الآخرين، أتردد كثيرًا، وأشعر أن الأصدقاء يتنمرون عليّ عند جلوسي معهم، وأشعر أني لم أعد أتقبل المزاح، وأتحسس من الكلام والتلميحات.

أشعر أن صديقي السلبي نقل لي كل شيء سيئ فيه، وكل تصرفاته انتقلت إليّ. أصبحت لا أفهم ما يقولونه لي من كلام، لأني شارد الذهن وتركيزي بعيد. أريد أن أعود إلى ما كنت عليه، أضحك وأفهم بسرعة وأركز.

أشعر أني أصبحت منبوذًا رغم أني كنت محبوبًا، وأصبحت بلا ثقة ومحبطًا وأنام كثيرًا، وأشعر بالكسل وبلا قيمة. إذا تحدثت يسخرون مني، ولا أعلم هل يمزحون أم أن كلامي بلا فائدة أو معنى، وكرهت الدنيا وكل شيء وكل مكان.

لا أفكر في الانتحار، ولكنني أريد علاجًا، أرجوكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محبوب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في إسلام ويب، وأشكرك على الثقة في هذا الموقع.

بالفعل استشارتك مهمة جدًّا، لأنك قد أوردت أعراضا كثيرة وكلها مهمة، وأنا أقول لك - وإن شاء الله تعالى أنا على درجة عالية من اليقين – أن الذي حدث لك هو من المزاج الاكتئابي في بداية الأمر، وهذا اختلط بشيء من الوساوس، ثم بعد ذلك تطور الأمر وظهرت لديك ما نسميه بالحالات الظنانية أو الشكوكية أو البارونية (Paranoid Disorders).

أنت أخي الكريم: لديك المكونات الأساسية لهذه العلة؛ حيث تحس أنك مراقب، وأنك مستهدف، وأن الناس يمكن أن تقرأ أفكارك، ولديك ما نسميه بظنانات التلميحات (Ideas of Reference)، وهذه هي التشخيصات المعيارية الأساسية للأمراض البارونية.

الحمد لله من فضله ومِنّته أنك لا زلت مستبصرًا، لأنك تعرف تفاصيل أعراضك، وهذا أمرٌ جيدٌ جدًّا، وأنا أرى أنه من المهم جدًّا أن تذهب وتقابل طبيبًا نفسيًّا الآن، مهم جدًّا أن تتناول أحد مضادات الذهان (Antipsychotics)، عقار مثل الـ (ريسبيريدون- Risperidone) سيكونُ مفيدًا جدًّا لك، أو الـ (أولانزبين - Olanzapine) أو الـ (اريبيبرازول - Aripiprazole)، كلها أدوية رائعة جدًّا، وسوف تفيدك، وسوف تختفي كل هذه الظنانيات -إن شاء الله تعالى-.

وتحتاج أيضًا لأحد مُحسِّنات المزاج (Mood Stabilizers) أو مضادات الاكتئاب (Antidepressants)، مثل عقار مثل الـ (بروزاك - Prozac) مثلاً بجرعة كبسولة واحدة في اليوم. لكن مضادات الذهان ستكون هي العلاجات الرئيسية والأساسية بالنسبة لك.

فهذه العلة علة بيولوجية، وتشخيصها الحمد لله سهل جدًّا، لأنك قد سردتَّ أعراضك بكل ترتيب، وأنا أطمئنك أن الناحية المزاجية عندك سببها هو هذا المرض الظناني، وكذلك ضعف التركيز، وافتقاد الدافعية، والميل للتكاسل، كل هذا أتاك من هذه الحالة.

اذهب – أيها الفاضل الكريم – الآن إلى الطبيب، وأرجو أن تفيدني مباشرة بعد أن تذهب إلى الطبيب، وتوضح لي الأدوية التي وصفها لك، وأنا على أتمّ الاستعداد –أخي الكريم– أن نساهم -إن شاء الله تعالى- فيما يُفيدك.

نشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً