الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف تتعامل المرأة مع زوجها المعدد والمقصر في حقوقها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سأختصر الكثير من التفاصيل والمساوئ العظيمة، -والحمد لله على كل حال-.

هل يجوز للزوج الذي يمتلك بيتًا، ووظيفة مرموقة، وراتبًا ممتازًا، ولا توجد عليه ديون، أن يهمل بيته وأطفاله وزوجته بحجة التجارة، لسنوات طويلة، ويكون غيابه المستمر سببًا في نفور أطفاله منه، بسبب كثرة سفره، وتقصيره المادي والمعنوي؟

إنه يُلقي كامل المسؤولية عليَّ في غيابه، أو حتى في وجوده، وبعد أن كوَّن نفسه، قام وقدم على مؤسسة باسمي دون إذني، ويُعيِّن عمالًا ليتولوا العمل بالكامل، ثم يتفرغ للزواج الثاني!

إنه كان مقصرًا جدًا، ولا يقوم بواجباته بحجة تجارته وغيابه الطويل، وحاليًا: لا يزال مقصرًا، لكن بحجة أنه مشغول ببيته الثاني، وأصبح دخوله للبيت نادِرًا جدًا، وبعض الأيام يدخل آخر الليل ويغادر للعمل، ولا يعود بحجة أن اليوم انتهى، وأحيانًا يدخل ساعة أو نصف ساعة فقط، وبتوقيت متفرق.

رغم كل هذا الإهمال والتقصير المادي والمعنوي، يجبرني على الحمل المستمر، فعدد أطفالنا الآن سبعة، علمًا أنني تزوجته وأنا بعمر 20 عامًا، وزواجنا مستمر منذ 13 سنة.

لدينا منزل من دورين، لكنه قام بتأجير الدورين العلويين، ويرفض إخراج المستأجرين لتوسيع البيت لأطفالنا، بحجة حاجته للمال، ووعدني ووعد أهلي بترميم غرفة الأطفال وتوسيعها، لكنه تراجع عن وعوده بعد أن عقد على الزوجة الثالثة!

زوجي صاحب دين، وخلق، وطيب، لكنه أصبح أنانيًا، والناس تلعب بعقله، وتغير بسببهم تمامًا بعد التعدد، والتعدد في نظره ليس لحاجة أو اتباعًا للسنة، بل هو للتفاخر والمظاهر، حيث يُرسل النكات حول التعدد، ويستنقص ممن يكتفي بزوجة واحدة!

عمر زواجه الثاني ثلاث سنوات ونصف، لكنه لا يزال يُحدث آثارًا سلبية عظيمة عليَّ وعلى أطفالي، والآن عقد على الثالثة.

طلبت الطلاق عدة مرات، لكنه يرفض بحجة العِشرة، والحب، والأطفال، وحياتي الجسدية والنفسية في أسوأ حالاتها، ولم أعد أتحمل هذه الضغوطات، ولم أعد أتحمل هذا التقصير والإجحاف، وحبه لنفسه، لم أعد أتحمل هذه الحياة القاسية، فزوجي يسير عكس القاعدة الفقهية: درء المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح، فما هو الحكم الشرعي في تصرفاته؟ وهل من حقه كل هذا؟ وماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ momo حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام، ونسأل الله أن يكتب لك أجر الصابرين والصابرات، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يهدي هذا الزوج حتى يقوم بواجباته كاملة، وأن يُصلح لنا ولكم النيّة والذُّرّية.

لا شك أن هذا الذي حصل لا يمكن أن يُقبل، ولكن نتمنّى أن تتمسّكي بما عليك؛ لأن الحياة الزوجية عبادة لربّ البريّة، والذي يُحسن يُجازيه الله، والذي يُقصّر أو يظلم يُعاقبه الله تبارك وتعالى، وأسوأ الظلم هو الظلم الذي يقع في مثل هذه الأحوال للزوجة التي أوصى بها النبي خيرًا، وللأبناء الذين هم أمانة في رقبة والدهم، و(كَفَى بِالْمَرْءِ ‌إِثْمًا ‌أَنْ ‌يُضَيِّعَ مَنْ يَعول)، (أَنْ ‌يُضَيِّعَ ‌مَنْ ‌يَقُوتُ).

أكرر: تقصير الزوج لا يُبيح لك التقصير، لأن الذي يُحاسب هو السميع البصير، الذي لا تخفى عليه خافية، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أننا مسؤولون، فقال: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهْوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، ... وَكُلُّكُمْ رَاعٍ، ‌وَمَسْؤُولٌ ‌عَنْ ‌رَعِيَّتِهِ).

عليه نتمنّى أن تقومي بما عليك كاملًا، واستبشري وأبشري بما ينتظرك عند الله من ثوابٍ وخيرٍ، واستمري في تذكير زوجك بالله تبارك وتعالى، وخوفيه من عواقب هذا التقصير، ونحن لا نُؤيد الاستعجال في طلب الطلاق؛ لأنه إذا كان يُقصّر في الأطفال وهم معه؛ فإن التقصير سيزداد ويتضاعف إذا حصل الطلاق.

لذلك نتمنّى أن تُكملي هذا المشوار، وتقومي بما عليك، وإذا تذكّرتِ لذَّة الثواب عند الله تبارك وتعالى؛ فإن هذا يُخفف الآلام، ويُخفف الضغوط الحاصلة عليك.

نتمنّى أن يعود هذا الزوج إلى صوابه، وكما قلنا: عليك أن تستمري في تذكيره بالله تبارك وتعالى، وأيضًا كونه لا يريد أن يُطلِّق، وكونه يريد الأطفال، وكونه يُحبُّك -كما زعمَ-.

أرجو أن نُعطي لهذه الأشياء ما تستحقُّه من المساحات، وشجّعي دائمًا الجوانب الإيجابية، واجعلي بيتك جاذبًا وثغرك باسمًا رغم صعوبة هذا، إلَّا أن الرجل أيضًا يريد من الزوجة أن تستقبله وتعامله بالحسنى، وبالكلمات الطيبة، أمَّا الأطفال فعليه أن يتحمّل مسؤوليتهم، واطلبي من الأطفال أن يطلبوا من والدهم، وهو مُلزم بالنفقة عليهم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يُعينك على تجاوز هذه الصعاب.

لا نريد بعد هذا الصبر والمجهود الكبير -وهؤلاء الأبناء الذين نسأل الله أن يُصلحهم- أن تُخرّبي على نفسك، فتخرجي من حياته، ولكن نتمنّى أن تجعلي همّك إصلاحه، وتذكيره بالله تبارك وتعالى، وإذا ذكّرك الشيطان بالنقائص والظلم الذي حصل لك؛ فتذكّري أن للكون إلهاً لا تضيع عنده مثقال ذرَّةٍ، سبحانه وتعالى، والخوف ليس على المظلومة، إنما الخوف على الظالم، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يهديه، وأن يردّه إلى الحق والصواب، حتى يُنصفك ويُؤدي ما عليه، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً