السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بدايةً – أخي الكريم –: جزاك الله خيرًا، وفرّج الله همّك كما فرّجت عن إخواننا الذين يراسلونك؛ فقد اطّلعت على أغلب المواضيع؛ لأجد تفسيرًا لحالتي، لكنني – للأسف – لم أصل إلى نتيجة، ووجدتك قد رددتَ عليهم بردود شافية، أسأل الله أن يثيبك ويبارك فيك.
دكتورنا الفاضل، أنا فتاة أبلغ من العمر 24 سنة، أصغر إخوتي، وخريجة جامعية –ولله الحمد–، أعاني منذ صغري من تعلقي الشديد بأمي؛ فأنام معها، وأذهب معها إلى كل مكان، ونادرًا ما أنفصل عنها، وإذا خرجت وحدها أشعر بالضيق والقلق، خوفًا من أن يصيبها مكروه.
نشأتُ وأنا أعاني من هذه المشكلة، وقد يكون لليُتم دور في ذلك؛ إذ فقدتُ والدي – رحمه الله – وأنا في السادسة من عمري، ومنذ شهرين أو ثلاثة، بدأت أعاني من خوف شديد من فقدان أمي، أفكر كثيرًا: ماذا لو توفيت؟ كيف سيكون حالنا؟ كيف سيكون شكل البيت بدونها؟ أتصورها في القبر، وتضيق الدنيا في عيني.
هذه الأفكار سبّبت لي اكتئابًا، وصرت قليلة الكلام، شديدة الحساسية، لا أرغب في تركها وحدها، حتى إنني الآن في سن الزواج، وأحيانًا أقول: لن أتزوج حتى لا أبتعد عنها، ثم أعود وأقول: لا بد أن أتزوج حتى أخفف من تعلقي بها، ثم أرفض الفكرة مجددًا...وهكذا أدور في حلقة من التردد.
والله إني لأبكي بكاءً شديدًا، وأقف أمام باب غرفتها وهي نائمة لأتأكد هل لا تزال تتنفس، لقد تعبت كثيرًا، وتطوّرت حالتي حتى صرت أقلق على إخوتي وأخواتي وأبنائهم أيضًا، وأتساءل من سيرحل منهم أولًا؟ أنظر إليهم وكأن أحدهم سيرحل قريبًا، حتى في اجتماعاتنا العائلية، أفكر: هل سيكون الجميع موجودًا في الاجتماع القادم؟ أصبح الموت هاجسًا يلازمني، لا أريد أن أسمع عن موت أحد، ولا أتابع القصص أو الدراما الحزينة.
كما أني أتألم عندما تشتكي أمي من كبر سنها، ولا أحب أن أسمعها تقول إنها كبيرة؛ فهذا يسبب لي ألمًا كبيرًا، كذلك الذكريات ترهقني، لا أطيق أن يسترجع أحد ماضيه أمامي، فأنا أتألم لألمهم.
رغم محاولاتي إقناع نفسي بأن أعيش يومي، وألا أحمل همّ الغد، وأذكّر نفسي بأن الموت حق لا مفر منه، إلا أنني أفشل في تطبيق ذلك.
كرهت الحياة، وأتضايق إذا رأيت شخصًا صامتًا أو حزينًا، وفكّرت أحيانًا أنه إن كتب الله لي الزواج، فلن أنجب؛ كي لا أقلق على أطفالي.
ضعفت شهيتي، وتكرر لديّ ألم البطن والمغص، وأصبحت كثيرة البكاء، دائمة التفكير، قليلة النوم، فقدت الاستمتاع بكثير من الأمور التي كنت أحبها، حتى إن من يراني يقول: إنني مريضة أو شاحبة.
لا أريد أن أترك أمي وحدها أبدًا، أصبحت مطيعةً جدًا، ويؤنبني ضميري على كل تقصير سابق في حقها.
أحيانًا أتمنى أن يعيش جميع إخوتي وأخواتي في بيت واحد؛ حتى لا تشعر أمي بالوحدة، بل فكّرت أن تطلق إحدى أخواتي لتعود وتعيش معنا، أعلم أن هذا تفكير خاطئ، لكنه من شدّة خوفي، والخوف على أمي يفوق خوفي على أي أحد -حتى إخوتي وأخواتي وأبنائهم-.
يا دكتور، لا أريد أن أستسلم لهذه الأفكار، أعلم أنها من وساوس الشيطان، وأدفعها بذكر الله، وتحصين نفسي بالأذكار، وقراءة القرآن، والمحافظة على الصلاة، والتوبة، ومع ذلك لا تزال الأفكار تلازمني، بل أصبحت تتراءى أمام عيني رغم كل جهودي.
أعلم أن أمي كبرت في السن، والموت حق، لكنني لا أستطيع أن أتقبل ذلك.
سؤالي: بمَ تنصحني؟ هل أذهب إلى طبيب نفسي؟ أخشى أن يصف لي دواءً فلا أستفيد، أو أستفيد فلا أستطيع الاستغناء عنه، وإن توقفت عنه تعود حالتي كما كانت، لذلك أرغب في أن أعالج نفسي بنفسي دون الاعتماد على علاج دوائي.
هناك نقطة مهمة أرجو التفضل بالإجابة عنها: كيف يمكن لدواء محسوس أن يعالج شيئًا نفسيًا غير محسوس؟
أنا فقط أريد أن أعود كما كنت: إنسانة مبتهجة، سعيدة، أعيش يومي، ولا أحمل همّ الغد.
أشكركم على سعة صدركم.